ربما يستطيع الحب أن يثير الجدل حول العالم، لكن هل لديه من القوة ما يمكنه من خفض ضغط الدم والحد من الاكتئاب والتعجيل بالتئام الجروح؟ اكتشفنا أن العلم يجيب بـ«نعم»!
تقول جوليان هولت لونستاد، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة بريغهام يونغ التي نشرت على مدار عشر سنوات دراسات عن العلاقات الاجتماعية وتأثيراتها على الصحة والمرض أن «علاقاتنا تساعدنا في التكيف مع التوتر، لذا فإذا كان لدينا شخص يمكننا اللجوء إليه للحصول على دعم عاطفي أو نصيحة فإن ذلك يمكن أن يساعد على الوقاية من التأثيرات السلبية للتوتر».
وركزت أكثر الدراسات عن فوائد الحب على الأزواج. ففي 2007 بعد الاطلاع على بحث أجري على التأثير الصحي للزواج، أصدرت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية تقريرا من 68 صفحة أوضح أن الأزواج بوجه عام أسعد حالا ويعيشون أطول ويشربون الكحول بشكل أقل، كما أن معدل زيارتهم للأطباء أقل مقارنة بغير المتزوجين.
وقالت جوليان: «نعرف جميعا أن ليس كل المتزوجين، سعداء»، لكن بضع دراسات فقط من عدة آلاف منها، هي التي وضعت طبيعة العلاقة الزوجية في الاعتبار، قائلة: «ربما تكون سبع (دراسات)».
لذا تصدت جوليان لمعرفة نوع الصلة بين الحب والصحة، ففي عام 2008 حددت نوعا من هذه الصلات، أشارت إليها نتائج دراسة لها نشرت ذلك العام عن الزواج وضغط الدم عام 2008. واكتشفت جوليان أن مستوى ضغط الدم لدى الأزواج السعداء أقل من غير المتزوجين، في حين أن الأزواج التعساء يعانون من ارتفاع ضغط الدم مقارنة بالفئتين. لذا عندما يتعلق الأمر بضغط الدم، تكون الوحدة أفضل من الزواج المضطرب.
عادات الزواج الحميدة
يميل الأزواج المحبون إلى التشجيع على الوقاية من الأمراض ودعم السلوكيات الصحية مثل ممارسة التمرينات الرياضية واستخدام خيط الأسنان والابتعاد عن العادات الضارة مثل الإفراط في تناول الكحول طبقا لكثير من الدراسات.
كذلك يمكن للعلاقات الرومانسية أن تعطي معنى للحياة يمكن ترجمته إلى رعاية ذاتية أفضل ومخاطرة أقل على حد قول جوليان. هناك فوائد عملية للزواج يمكنها تحسين صحة الفرد، لكنها لا تتعلق بالحب. فعلى سبيل المثال بحسب دراسة أجرتها وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، احتمال اشتراك الأزواج في تأمين صحي واستقرارهم المالي أكبر.
وهب آرثر أرون، الأخصائي النفسي الاجتماعي بجامعة «ستوني بروك» في نيويورك، حياته المهنية لفهم علم الحب. قام أرون على وجه الخصوص بعمل مسح على المخ بأجهزة الرنين المغناطيسي الوظيفي على أشخاص في مراحل عاطفية مختلفة منهم الذين يمرون بالمرحلة الأولى للحب، ومنهم من كانت علاقاتهم العاطفية طويلة، ومنهم من لم يحصل على قبول المحبوب حديثا.
فرحة الفوز باليانصيب
أكثر الدراسات التي أجراها أرون صغيرة النطاق، حيث لم تشمل سوى ما يتراوح بين 15 و20 شخصا، إلا أنها اكتشفت أن مشاعر الحب تحفز مركز اللذة في الدماغ، فالدوبامين ناقل عصبي قوي يؤثر على الشعور باللذة والدافع.
وفي دراسة نشرت في عدد يناير (كانون الثاني) 2011 من مجلة «الإدراك الاجتماعي وعلم الأعصاب الفعال»، قارن أرون في هذه الدراسة بين أشعة المخ التي أجريت على 17 شخصا تزوجوا في الواحدة والعشرين من العمر ببيانات دراسة أجريت على 17 شخصا، 10 منهم نساء و7 رجال يبلغ متوسط أعمارهم 21 عاما بدأت علاقاتهم العاطفية حديثا. وقد تمت ملاحظة نشاط عصبي في مركز اللذة في المجموعتين.
ومن المثير أن مناطق ترتبط بالقلق والهوس والتوتر في مخ أولئك الذين دخلوا في علاقات عاطفية منذ فترة قصيرة كانت تضيء. ويقول أرون: «عندما تكون في بداية علاقة عاطفية والشخص الذي تحبه يبتعد عن ناظريك لخمس دقائق تتساءل إذا كان لا يزال على قيد الحياة أم أنه وقع في حب شخص آخر».
وطبقا لبحث أجرته جامعة شمال كارولينا في شابيل هيل، تم اكتشاف أن العناق وتلامس الأيدي يؤدي إلى إفراز هرمون أوكسيتيكون الذي يخفض ضغط الدم ويحسن المزاج ويزيد القدرة على احتمال الألم.
إذا كان الوقوع في الحب يجعلك سعيدا، فإنه يعود بالنفع على صحتك أيضا فالذين أحسوا بمشاعر مثل السعادة والسرور والاسترخاء كانوا أكثر قدرة على مقاومة نزلات البرد مقارنة بالذين يشعرون بالتوتر أو العداء أو الاكتئاب.
ونظرا لأن الدراسة شملت من يشعرون بمشاعر إيجابية، يمكن أن تنطبق نتائجها على الذين يتمتعون بعلاقات جيدة أو أي شخص يتمتع بنظرة متفائلة مشرقة للحياة.
تأثير علاجي
وطبقا لدراسة أجرتها جامعة أوهايو عام 2005، يمكن للعلاقة الزوجية السعيدة أن تعجل معدل التئام الجروح. كذلك تم اكتشاف أن مناقشة إيجابية داعمة مدتها نصف ساعة بين الأزواج يمكنها أن تزيد من معدل القدرة على الشفاء من الجروح بمقدار يوم واحد على الأقل.
فقد زود الباحثان جان كيكولت غلاسر ورونالد غلاسر 42 زوجا بأجهزة مص أحدثت ثماني بثرات على أذرعهم. في زيارة أعقبت ذلك، حث الباحثان الأزواج على إجراء حديث عن أمور خلافية لها جذور من المشاعر على حد قول كيكولت غلاسر. وفي مرة أخرى، أجرى الزوجان حديثا وديا بعد عملية الثقب، ووجد أن هذه الثقوب برأت قبل موعدها المتوقع بيوم.
علاقات الصداقة
لكن لم يحرم الذين لا يعيشون علاقة عاطفية حاليا من كل شيء. فقد اكتشفت جوليان وزملاؤها أن علاقات الصداقة والعلاقات العائلية القوية تحسن من احتمالات البقاء بنسبة 50 في المائة.
وقد نظرت في المعلومات الواردة في 148 دراسة تتبعت 308 آلاف و849 شخصا تتراوح أعمارهم بين 71 و72 عاما. وقد وجدت أن الترابط الاجتماعي مفيد للبقاء على قيد الحياة مثل المساعدة على الإقلاع عن التدخين حتى إنها تجاوزت فوائد القيام بتمرينات رياضية.
ومن الجدير بالذكر أن العلاقات العاطفية غير الناجحة قد تؤثر سلبا على الصحة، حيث يقول أرون: «تظهر الكثير من البيانات الخاصة بحالات الانتحار والاكتئاب أن عدم الفوز بقبول المحبوب أو علاقة الحب من طرف واحد من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تلك الحالات».
كذلك قد يكون للطلاق تأثير سلبي كبير على الصحة بحيث لا يستطيع المرء أن يبرأ أبدا. فقد أوضحت دراسة أجرتها مجلة «الصحة والسلوك الاجتماعي» عام 2009 أن معدل إصابة المطلقين أو الأرامل بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري والسرطان أكبر بنسبة 20 في المائة من المتزوجين.
كذلك تعد نسبة اضطرابات الحركة مثل صعوبة صعود السلالم أكبر بنسبة 23 في المائة. وقد يحد الزواج مرة أخرى من هذه التأثيرات، لكنه لن يمنعها تماما.